دعني أحدثْك يا صديقي عن مرّة اكتشفت فيها كنزي..
يومَها أحسستُ بضيق وكرب شديدين، فأطلقت لقدميّ العنان، ونهبت الشوارع أطلب الهدوء والأمان، الأفكار في رأسي تتزاحم، والشجون في أعماقي تتعاظم، قادتني قدماي إلى حديقة غنّاء رائعة تذخر بالورود البهيّة.. هاجمت أنفي رائحة عطر ولا أذكى، طفقت أبحث عن مصدر الرائحة، رأيت وروداً صفراء كبيرة الحجم، شامخة، كصبية تترنح بزهوّ لتبهر العالمَ بجمالها الأخاذ، دنوت منها... ربّما هي التي تصدرُ تلك الرائحة الذكيّة... لا رائحة لها. قلت في نفسي ربّما عليّ أن أذهب إلى أبعد لأجد وردتي العطرية، وكلّما تغلغلت في عمق الحديقة شعرت بفوحانها أكثر.
صادفت مئات الزهور الكبيرة الرائعة الجمال ومن كلّ لون وصنف، أمّا وردتي فلمْ أجدْها... تُرى أين اختفت..؟
مرّ وقتٌ طويلٌ خلته دهراً وأنا أبحث عن وردتي المنشودة، فجأة لمحت في طرف الحديقة زهرةً صغيرة جداً، بتلاتها بنفسجيّة اللون، ساقها رفيعة جداً تميد مع كل نسمة خفيفة تداعب خدّها.
تلك هي الرائحة التي غمرت أنفي وحيّرت نفسي.. هي زهرة البنفسج، تتوارى عن الأنظار، لا تزهو ولا تفتخر، بل تبث في العالم أعطر وأذكى عطرٍ قد يداعب أنفك.
أنستني زهرتي المتواضعة كلّ همومي ومنحتني سلاماً وفرحاً غامرين.
في تلك اللحظة تذكرت أمي.. نعم إنها أمي.. هي زهرة البنفسج.
هي العطاء بصمت ودون كلل.. هي الصبر دون حدود.. هي الفرح.. هي الحب..
لستِ صغيرةً يا أمي وإن توارت عن الأنظار.. أنت أكبر من الكِبَر.. وأجمل من الجمال.. وأغلى من أغلى كنوز الأرض.. عطرك أبداً فواح.. وابتسامتك هي مصدر فرحي ولو بقيتِ العمر كله صامتة.